هل يمكن لمواطن ينتمي صادقا لوطنه ويحرص عليه ويعتز بهويته أن يستطيع أو حتى يفكر في قول مثل هذه العبارة المخزية؟، بالتأكيد لا، ولن يجرؤ على قولها حتى في سره إلا عندما يكون قد ألغى الوطن من حساباته نهائيا، بل وعلى استعداد لتقويضه بأي شكل لأنه يقف حائلا أمام تحقيق حلمه بعالم تذوب فيه الأوطان وتنصهر في أمة واحدة يتولى حكمها وتقرير مصيرها بصلاحيات مطلقة لا ينازعه أو يعترض عليه فيها أحد. لقد قال مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع «طز في مصر» في سبيل الأممية، وقد أوجد بهذه العبارة ترجمة شعبية مبسطة للفكرة الإخوانية، بحيث يستطيع أي شخص أن يجيب على من يسأله عن معنى الإخوانية بقوله: يعني أن تقول طز لوطنك.
وإذا كان المرشد الذي تجب بيعته قد قالها مؤخرا فلا شك أنه قد قالها مرات لا حصر لها بهذه الصيغة أو بغيرها، وقالها من سبقوه في موقعه، وعليه فإن كل الذين في أعناقهم بيعة للمرشد وفكر الجماعة أينما كانوا لا بد أنهم قالوها بالضرورة، ولأنهم ليسوا بأهمية وجرأة ومكانة المرشد الذي استطاع أن يقولها علنا، فإنهم يقولونها من خلال أفعال وتصرفات تعبر عنها، ومنهم رموز وأتباع الجماعة بيننا، وأظن أنه يجب أن نكون في هذا الوقت قد تجاوزنا مرحلة إنكار وجودهم لدينا أو الاختلاف على تسميتهم بعد كل ما حدث في الساحات العربية وتحديدا الساحة المصرية خلال العام الماضي على وجه التحديد.
الوجود على مستوى الفكر والاختراق والاستقطاب والتغلغل في أهم محركات ومناشط ومرافق المجتمع التعليمية والدعوية والاجتماعية والثقافية مسألة مزمنة ومعروفة لكن لأسباب كثيرة استمروا دون تحجيم خطرهم حتى أنتجوا أجيالا متعاقبة من الأتباع يقومون بمهام لوجستية تتمحور في التشويش والتعطيل وتعكير صفو المجتمع والتعدي على الناس، بينما الكبار يرسمون الاستراتيجيات ويضعون الخطط ويديرون المشهد، لأنهم في مواقع مسؤوليات، ولديهم صفوف إسناد قوية داخل المجتمع تنافح عنهم وتستميت في الهجوم الشرس المؤثر على كل من يلفت النظر أو يشير إلى ما يحدث منهم، ولهذا استمر إنتاجهم لأزمات وكوارث عانينا منها فكريا وتنمويا واقتصاديا، إضافة إلى الخطر الكبير الذي شكله منتجهم الإرهابي على الوطن بعد أن صدروه إلى الخارج ثم استعادوه ليضرب الداخل وهم يبتسمون ويواربون ويتملصون ويراوغون بشكل احترافي لا يجيده غيرهم، أما إذا أشار أحد إلى واقعهم التنظيمي وارتباطه بالتنظيم العالمي فإنه يصبح هدفا لسهام مسمومة غير أخلاقية من الأتباع الذين استطاعوا تفريغ جماجمهم من العقل والتفكير وسلبهم حرية الإرادة والقرار التي يتميز بها الإنسان عن غيره من الكائنات.
القدر وحده شاء أن يسدل الستار على آخر فصل من مسرحية المغالطة، والقدر وحده أراد أن يكشف الذين لا يقيمون لأوطانهم وزنا، عندما تولى الإخوان سدة الحكم في دول الثورات، ومصر تحديدا حيث تهفو نفوس الإخوان في كل مكان إلى المقطم ومرشده. خلال عام واحد من الحكم الفاشل المستبد الفاشي للإخوان جعل منهم إخواننا المنقذين للأمة الإسلامية من كل متاعبها ومشاكلها، والمعيدين للخلافة مجدها، مصر «راحت في الرجلين» والمنتشين بالحلم التأريخي يتقاطرون عليها ومن لم يستطع الذهاب رقصت كلماته جذلا في مواقع التواصل الاجتماعي، ولعنت كل من أبدى رأيا آخر أو تخوف على مصر منهم. خلال العام الماضي لم يعد يهمهم إنكار ارتباطهم بالتنظيم الأساس لأن الفتح العظيم قادم بعد أن هبت رياحه في مصر، وسيصبحون ممثلي المرشد في بلدهم الذي سيذوب في الأمة بعد حين لن يطول. لكن جاءت النهاية سريعة لتزلزل الأرض من تحتهم بعد ثورة الشعب المصري لاستعادة ثورته الأولى من سارقيها الذين أداروا بلدا عظيما بأساليب في منتهى البدائية والتخلف. جن جنون إخواننا ولم يعد بإمكانهم السيطرة على أعصابهم وضبط عواطفهم الجريحة، تخبطوا وانزلقوا وعلا ضجيجهم أكثر من ضجيج بعض الرموز في مصر، هاجموا كل الذين احترموا إرادة الشعب المصري من أفراد ومؤسسات وحكومات، وبلغ بهم التهور مؤخرا إلى تدبيج خطاب هزيل زيفوه باسم المثقفين السعوديين، وهو يمثلهم فقط، موجها للشعب المصري يؤيد الرئيس المعزول ويؤكد على الصمود لعودته ببذل الأرواح والتحريض على الاقتتال والفوضى، ويناقش تفاصيل حساسة في وقت حساس للأشقاء في مصر. أفبعد كل هذا يجرؤ أحد على إنكار وجود تنظيم حزبي إخواني لدينا يرتبط عضويا بالتنظيم الأساسي؟.
حسنا، وماذا بعد؟
قد يقول قائل إن الخطاب الذي وجهه خادم الحرمين الشريفين للشعب السعودي والأمة الإسلامية عشية رمضان قد لا يشير بالضرورة للتنظيم الإخواني ومن في فلكه من جماعات الإسلام السياسي عندما شدد على رفضه القاطع استغلال الدين «لباسا يتوارى خلفه المتطرفون والعابثون والطامحون لمصالحهم الخاصة، متنطعين ومغالين ومسيئين لصورة الإسلام العظيمة بممارساتهم المكشوفة وتأويلاتهم المرفوضة» وأيضا التأكيد الحاسم أن المملكة «لن تقبل إطلاقا وفي أي حال من الأحوال أن يخرج أحد في بلادنا ممتطيا أو منتميا لأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان، لا تقود إلا للنزاع والفشل»، إن الرد على هذه الفرضية بسيط عند النظر إلى الظرف الذي جاء الخطاب متزامنا معه، والنماذج التي تنطبق عليها الأوصاف المذكورة فيه، وأيضا عند النظر إلى ساحتنا التي لا يوجد فيها غيرهم بمواصفات تنظيمية حزبية كشفوها بأنفسهم مؤخرا بعد زمن طويل من الإنكار.
هؤلاء من يجب أن يعودوا إلى الصواب ويعرفوا أن الأوهام لا تتحقق وأن التضحية بالأوطان عار ما بعده عار وخزي ما بعده خزي، وإذا لم تكن الصدمة قادرة على إفاقتهم فوطننا لن يقبل منهم ولن ينتظر أن يقولوا له ما قاله مرشدهم لوطنه. اللعبة أصبحت مكشوفة يا تنظيم إخوان الخداع والزيف وخيانة الأوطان.
*نقلا عن "عكاظ" السعودية