واحدة من التهم الكبيرة التي أعد لها الراحل شيخ المناضلين الأستاذ علي محمودحسنين عليه الرحمة والغفران .. ملفا تركه أمانة في عنق الثوار ..هي جريمة تقويض النظام الديمقراطي بواسطة جماعة الحركة الإسلامية وآدواتهم من الضباط الذين نفذوا إنقلاب ما سُمي زوراً بثورة الإنقاذ التي أتت على أخضر البلاد ومصائر العباد تمكينا غير مستحق لعناصر الولاءعلى حساب الكفاءة وتشريدا لمن هم على غير هواها وإستشراءً للفساد الماحق و تدميراً للتعليم بالمد الآفقي غير المدروس وضمور الجودة الراسية فيه وحرمان المواطن من أبسط الخدمات الصحية وغيرها والحقد الدفين على المشروعات المنتجة و نسف جسور التواصل الخارجي صراخا بالشعارات الهلامية التي أحالوا بها السودان سلةغذاء العالم الى متسول باعوا دماء أبنائه في حروب عبثية لا ناقة لهم فيها ولاحمار !
أحد قادة الإسلاميين وفي لقاء تلفزويوني بعد ثورة ديسمبر الظافرة وتعليقا على مسألة محاسبتهم على جريمة تقويض النظام الديمقراطي ..قال ساخراً ومتهكماً يجب أن يكون الحساب ولد و يشمل كل من قام بانقلاب منذ عام 1958ويقصد حركة عبود ومرورا بإنقلاب نميري في مايو 1969وليس وقفاً عليهم !
ولعل صاحبنا لم يذاكر صفحات التاريخ البعيدجيداً مثلما لم يقرأ القريب منها أيضاَ .
فبعد قيام الجمعية التأسيسية الأولى عقب ثورة أكتوبر 1965 وحينما طُرح من داخلها إقتراح محاكمة جماعة إنقلاب عبود بتهمة تقويض الديمقراطية الأولى..فقد إعترض الحزبان الكبيران على المبدأ وساندتهما جبهة الميثاق الإسلامي التي كان يتزعمها ويمثلها في البرلمان الدكتور حسن الترابي فسقط الإقتراح بالأغلبية وهي الحادثة التي دفعت بالراحل الأستاذ الرشيد الطاهر للإنسلاخ عن الإخوان المسلمين وأنضمامه للحزب الوطني الإتحادي .
أما قادة إنقلاب مايو فقدتم تقديمهم لمحاكمة علنية في أعقاب ثورة ابريل 85 وأدينوا وأودع الموجودون منهم السجون حتى أطلقتهم الإنقاذ بعد سطوها على السلطة بذات الكيفية..وتم العفوعن نميري وأعيد من منفاه لتعاد اليه كافة إمتيازاته بواسطة عسكرالإنقاذ بإعتباره رفيق سلاح وكان مبلغ حلم الرئيس البشير في عهده أن يصبح مديراً لمكتبه وليس رئيساً كما صار لاحقاً في مكانه بالسرقة الليلية والتأمر !
ولعل التهاون في محاسبة المغامرين من الضباط الذين يدفعهم الطموح الى تسلم السلطة وبروافع مدنية حزبية أو فكرية كانت ..هوما سيدفع بالمزيد منهم لخوض التجربة مستقبلاً ..وهوما ينبغي أن الا يجعل مثل هذه الجريمة تسقط بالتقادم ولوكانت محاولة فاشلة أو تكون الأحكام فيها مخففةً .
ومن المفارقات الغريبة أن العسكر الحاكمون دائما هم الأكثر بطشاً وتنكيلاً وفتكاً دون
هوادة ولارحمة بزملائهم الذين يحاولون الإنقلاب عليهم ..ولطالما سالت الدماء العزيزة إبان حكم عبود في حركة كبيدة ونميري مع إنقلاب هاشم العطا كأمثلة فقط ..أما ابشعها فهي طريقة التعامل مع ضباط حركة رمضان الذين دفن بعضهم أحياء في أماكن مجهولة حتى الآن ..ولازال بعض قتلتهم يتبخترون في أسواق وندوات الخرطوم غير عابئين بما إرتكبوه ..وشهود تلك الفظاعات من الضباط والجنود لازال البعض منهم يجتر في ذاكرته صورا لايمكن أن تُنسى وعندهم ما يفيد العدالة ويريح أرواح الضحايا و يعزي ذويهم المكلومين ولوبمعرفة شئٍ من الحقيقة.
فهل ننسى أو ينسى التاريخ وهوغير بعيد !
محمد عبدالله برقاوي
bargawibargawi@yahoo.com