مع التحية
لم تجمعني الدروب يوماً بالسيد مفضل مدير جهاز المخابرات العامة ولكني سمعت كل مايجعلني اتعشم خيراً في التحدث إليه، وأثق أنه سيسمعني وأنه سيحقق العدالة، هذا إذا كان هو مفضل الذي سمعت عنه ولم تطرأ عليه تغييرات بفعل الكرسي الهزاز الدوار الذي يجلس عليه الآن.
إن الشأن الذي أخاطبك من أجله الآن هو شأن يتعلق بالعدالة وبجهاز المخابرات وكرامة منسوبيه.
سيدي مفضل قررت لجنة التفكيك في خضم سيل قراراتها الهوجاء اعتقال اثنين من أكفأ ضباط الجهاز خارج الخدمة، وهما الإعلاميان بالجهاز سابقاً محمد حامد تبيدي والشاذلي حامد دون تهمة محددة، أكرر دون تهمة ولم يتم استجوابهما منذ أكثر من خمسة أشهر ظلا ينتقلان بين المعتقلات بل بين بلاط زنازين لجنة التفكيك ومنها ياسيد مفضل للأسف إلى ثلاجات الأمن نفسه !!.وكل ذلك لأن لجنة مخبولة رغبت أن تنتقم منهما دون أي ذنب سوى أنهما كانا ضابطين بالجهاز يؤديان مهمتهما بكل إخلاص وفقاً لقانون الجهاز ونظمه.
لعلك ياسيد مفضل لاتعرفهمها، دعني أقول لك طرفاً مما أعرفه عنهما. هذان الضابطان كانا يؤديان عملهما بمهنية وأخلاق، لم يشتكي أحد بأنهما يوماً أساءا معاملة أي أحد ممن تعاملا معه، وإنني أشهد أنه في كل مرة يتم استدعائي إلى مقار جهاز الأمن كانا يعاملاننا بغاية الاحترام والأدب ودأبا على إكرام كل من استدعاه الجهاز ولم يدعي أحد ولو كذباً أنه تعرض بسببهما إلى تعذيب أو حتى مضايقة لا بل كل كلامهم معنا دائماً ماتسبقه كلمة يا أستاذ.
كانا يفصلان بين عملهما بالجهاز وعلاقتهما الإنسانية بالوسط الصحفي. كانا حاضرين في كل مناسبات الزملاء الصحفيين ولم يقصرا في أي نوع من المشاركة بل إنهما حين تحكم محكمة علي صحفي بالغرامة أو السجن كثيراً ما كانا يحملان الجهاز على دفع الغرامة وقد حدث ذلك حتى لأشد خصومهما في الوسط الصحفي، وللأسف ما إن اعتلى خصومهما سدة السلطة كان أول مافعلوه أن زجوا بهما في الزنازين دون ذنب.
لعلمك ياسيد مفضل إن هؤلاء لم يكونا ضابطين مهنيين بجهاز الأمن وحسب بل مساهمين بالعمل الصحفي والكتابة ولهما مواقف وآراء في القضايا العامة. فقد كتب تبيدي في الرياضة والسياسية وكان شديد العناية بوطنه الأخضر، النيل الابيض، وأهلة التبيداب …القبيلة التي شكل ملامحها الذهب الأصفر .
تبيدي لمن لايعرف هو من اسس صحيفة (سودان فيشن) التي كانت مصدرا مهما للسفارات والمنظمات الاجنبية.
اما الشاذلي حامد فاسهامه الصحفي والفني والتوثيقي لايخفي علي احد وهو صاحب افضل سيناريو للفيلم الروائي القصير في مهرجان القاهرة للاذاعة والتلفزيون عن فيلمه (الحركة من اسفل)
هل قرأت ياسيدي كتاب (مكالمة آخر الليل) للشاذلي حامد ؟. أنصحك أن تفعل ففيه قصص وثقت و كشفت تبعات ونتائج ماجري في امدرمان مايو ٢٠٠٨.اضف الي ذلك عشرات الافلام الوثائقية ومنتدي روان الثقافي.
دعك سيدي من هؤلاء المظلومين الأفاضل .. أليس للجهاز ومنسوبيه حد أدنى من الكرامة والزمالة المهنية ؟ كيف تقبل ياسيدي أن يعتقل منسوبو الجهاز دون وجه حق بواسطة لجنة ليس لها من هدف سوى تصفية الحسابات مع خصومها دون اتهام؟. وكيف يقبل الجهاز هو نفسه أن يتحول إلى لجنة تفكيك جديدة ويذعن لها حتي بعد موتها بل ويرضى باعتقال منسوبيه سواء أكانوا في الخدمة أو خارجها في زنازينه شخصياً، وبذا يتحول الجهاز جلاداً وسجاناً لمنسوبيه.. هل يسرك ياسيد مفضل أن يكتب ذلك في تاريخك وفي عهدك طال أم قصر ؟ إذن اعطني سبباً واحداً لإبقاء هؤلاء الضابط في الزنازين. وإني أسأل الآن زملاءهم السجانين الجدد الذين يحرسون أبواب زنازينهم ألا ينتابكم خجل ما.. ألا يمكنكم أن تسألوا.. نعم اسألوا إدارتكم بأي ذنب تسجنون رافقتنا وزملائنا في المهنة/ اسألوا رئاسة الجهاز … ألا تخشون أن تدور عليكم الدوائر غداً فتجدون أنفسكم في ذات الزنازين دون ذنب؟.هل السؤال ممنوع في الجهاز؟ يالها من زمالة ورفقه بائسة تلك التي تعجز حتى عن السؤال ويالبئس جهاز أمن عاجز عن الدفاع عن منسوبية!!. بالله كيف تريدون إقناعنا أنكم تدافعون عن الوطن ورفقائكم في زنازينكم بلا سبب وأنتم عاجزون عن الدفاع عنهم ؟ . مم تخافون الوظيفة.
كنت أقول لأصحابنا في التفكيك أنها ستدور ولكنهم لم يصدقوني حتى وجدوا أنفسهم في ذات الزنازين الذين زجوا فيها خصومهم بلا تهم!! ياترى هل تذكروا مرارة تلك المظالم وتلك القرارات التي نسفوا بها آمال وأحلام واستقرار آلاف الأسر ؟ وهل اعتبروا مما جرى ما أكثر العبر وما أقل المعتبرين!!.
سيدي مفضل ….. أنا أدرك أن البلاد لم تعد فيها عدالة منذ أنشئت فيها لجنة سياسية تهدم أسسها ركنا ركنا وتفصل القضاة والمستشارين بالنيابات ولكن لا أود أن أصدق أنها أضحت بلا كرامة أيضاً !! . جهاز أمن وجيش تلقون اللعنات والاساءات صباح مساء وفي أجهزة الدولة الإعلامية الرسمية فتلوذ قيادة الدولة بالصمت !!! جهاز يفصل منسوبيه الاكفاء بالعشرات دون أن يصدع بكلمة حق، وآخرتها جهاز يقبل علي نفسه أن يصبح سجاناً لمنسوبيه!!. يا إلهي متى تأتي القيامة .
قال لي أحدهم إن تبيدي والشاذلي اطلق سراحهما ولكن الرئيس البرهان أعاد اعتقالهما، فركت أذني مرتين … ياتري ما غبينة البرهان مع تبيدي والشاذلي ؟ عرفنا غبائن ،أحقاد التفكيك فلماذا يزج الرئيس بضابطين كانا في جهاز الأمن في الزنازين بلاذنب/ أكاد لا أصدق.
سيد المفضل ومن قبله الرئيس البرهان إن عجزتم أن تحققوا العدالة ولازالت سجونكم تفيض بالمتهمين بلا تهم من ضحايا سيئة الذكر لجنة التفكيك فعلى الأقل حافظوا علي ما تبقي للبلاد من كرامة و شئياً منها لمنسوبي الأجهزة الأمنية الذين يتعرضون للإهانة صباح مساء داخل الزنازين وتحت بصركم لا والله بل بأيديكم.
سيد مفضل …. فضل شيء واحد هو أن تطلقوا سراح تبيدي والشاذلي لنقتنع أن البلد فضل فيها شوية كرامة .