على ضوء التجربة المؤلمة للممارسة السياسيّة الحاليّة التي جاءت نتيجة لثورة سودانيّة واعية شهد على سلميتها العالم فقد أصبح من الضروري إحداث تغيير جذري وثورة شاملة في كيفية تحديد وإنشاء آليات الحكم المناسبة التي تضمن إحداث تحوّل ديموقراطي حقيقي والتأسيس لحكم مدني كامل ومستدام يضع حدّاً للإنقلابات العسكر ومدنيّة على الدستور.

إنّ الحكم العسكري الإنقلابي القائم الآن يحتم على المؤمنين بالثورة كآلية للتغيير مواصلة المشوار لإحداث التغيير الشامل وتحقيق شعارات الثورة ، الحرية السلام والعدالة .

ولأجل ذلك فإنّ المجلس التشريعي (البرلمان) يأتي في مقدمة الأولويات التي منها وبواسطتها تتم باقي الصالحات من تكوين مجلس للوزراء و هيئة قضائيّة مستقلة ونيابة ومفوضيات متخصّصة وإجراء محاكمات ناجزة وعادلة وإزالة التمكين. والتجربة قد دلّت على أنّ مواصلة العمل الثوري السلمي هو الأداة الوحيدة للوصول للهدف طالما كانت التجاوزات قد طالت الوثيقة الدستورية وإنقلبت عليها وألغتها وأطاحت بالمؤسسات القائمة.

وبما أن المجلس التشريعي (البرلمان) هو المعبر عن آمال و تطلعات المواطنين فهو بهذا يمثل حجر الزاوية في النظام الديموقراطي ومدنية الدولة . وهنا لا بد لثورة ديسمبر 2018 المجيدة أن تتجاوز التجارب السابقة في تعيين أعضاء المجلس التشريعي بإجتراح تجربتها الخاصة لتكون عنوانا مختلفا عن غيرها من العناوين السابقة وتجربة تليق بثورة عظيمة وبداية حقيقية لسودان جديد بعيدا عن المحاصصات العرقية والجهوية والقبلية والطائفية والفئوية . سودان جديد تتحقق في برلمانه عدالة تمثيل المواطنين وضمان الحصول على الحق المتساوي في الإختيار .

الكثافة السكّانيّة هي المعيار الذي سيتبع في تحديد نسب التمثيل في البرلمان للكتل الحضرية والريفية على حدٍ سواء وهو المعيار العادل الوحيد الذي يتجاوز المعايير التي كانت تتبع في السودان القديم إذ لم يعد هناك فارق معرفي بين سكان المدن ونظرائهم في الريف بفضل إنتشار التعليم ووسائل الإتصال والتكنولوجيا التي قربت الفوارق بين الفئتين . لقد حان الوقت أن تلغى المزايا التي كانت تتمتع بها بعض الفئات المتعلمة على حساب فئات المهمشين وسكان الريف وآن للبرلمان أن يأتي معبرا عن السودانيين جميعاً على قدم المساواة. فالتمثيل العادل هو ما سيوفر الفرص المتساوية داخل البرلمان المنوط به البت في شأن القضايا التي تهم المواطنين جميعاً على إمتداد أرض السودان .

المعيار الجديد أيضاً لا يوفر أية مزايا لمواطن على حساب مواطن آخر مكافأةً له على حمله السلاح أو على توقيعه على إتفاقيات سلام سابقة تمكن بموجبها على الحصول على بعض المزايا الخاصّة . فالتمثيل في البرلمان يتبع نظام الكتل والتجمعات السكانية للمواطنين وهو القاعدة والشرط الوحيد .

يتم تقسيم المواطنين على حسب أماكن تجمّعاتهم السكنية الحاليّة إلى فئتين كما يلي :

الفئة الأولى المدن وتنقسم إلى ثلاثة مجموعات:-
1- المجموعة (أ) العاصمة القومية بمدنها الثلاث.
2- المجموعة (ب) عواصم الأقاليم / الولايات.
3- المجموعة (ج) المدن وأشباه المدن في الأقاليم/الولايات.

الفئة الثانية الريف وتضم مجموعات القرى والفرقان حول العواصم والمدن وأشبه المدن .

يتم وضع أوزان لتمثيل كل فئة من هذه الفئات والمجموعات في البرلمان على حسب عدد السكان وفق الإحصاءات الرسمية. ويعتمد عدد (1) عضو ممثلاً في البرلمان لكل (مائة ألف) مواطن تزيد أو تنقص على حسب العدد الحقيقي للسكان. وبافتراض أنّ العدد الكلّي للمواطنين السودانيين 30 مليون نسمة ، يكون العدد الكلّي لأعضاء البرلمان 300 عضو . فعلى سبيل المثال إذا كان عدد سكان مدينة الخرطوم يساوي 1 مليون نسمة ، فيكون نصيب سكّانها في البرلمان 10 أعضاء . وهكذا يسير الأمر على هذا المنوال في بقيّة المدن و الأرياف.

أدناه قائمة أولية مبسطة لشرح الفكرة العامّة.

الفئة الأولى :
المجموعة (أ) المدن الثلاث التي تكون العاصمة القومية. تمثل كل مدينة منها بعدد (10) أعضاء.
المجموعة (ب) عواصم الأقاليم/ الولايات . تمثل كل عاصمة بعدد (4) أعضاء .
المجموعة (ج) المدن وأشباه المدن في الأقاليم/الولايات . تمثل كل منها بعدد (1) أعضاء.

الفئة الثانية الريف :
الريف حول كل مدينة أو شبه مدينة يمثل بعدد (2) أعضاء .

هذا المقترح للتمثيل في المجلس التشريعي الثوري يغطي جغرافيا السودان كله و سهل تطبيقه وسيجد فيه المهمشون عدالة التمثيل لأول مرة منذ إستقلال السودان. فلمدينة الخرطوم مثلا (10) أعضاء يمكن أن يتوصل شباب الثورة و لجان المقاومة في الأحياء للممثلين العشرة عبر عقد مؤتمرات محلية قاعديّة في الساحات العامّة بالإختيار الديموقراطي المباشر.

هذا المقترح مقدم للجان المقاومة و يمثل نقلة نوعية تميزه عن غيره من المقترحات التي قدمت حتّى الآن . فالمقترح هذا يطرح فكرة جديدة في التمثيل البرلماني لا يشابهه فيها غيره من المقترحات التي قدمت و لم تخرج جميعها عن إطار المألوف الذي يدور حول فكرة المحاصصات و الصراع للحصول على أكبر نسبة مئوية للفئات والمجموعات التي تمثلها.

مثلما أن المقترح يقدم فكرة جديدة فهو يراعي ظروف السودان الحالية بعدم وجود جهة مجمع عليها جهويّة أو قبليّة أو حزبية أو نقابية أو جمعيّة مدنيّة أو مؤسّسة عامّة للدولة كالقوات المسلحة يمكن أنّ تمثل السواد العام للسودانيين غير جغرافيا مدننا و قرانا فهي لا تزال تمثل السودان ومكوناته من غيرسابق تدبير أو تأثير خارجي غير سبيل كسب العيش والإختيار الحر لموطن السكن . إنّ الطبيعة اللامركزيّة للمقترح تنسجم تماماً مع الهيكل التنظيمي اللامركزي للجان المقاومة ويمكن تنفيذه في وقت واحد متزامن في جميع أنحاء السودان.

وبما أن التجارب القديمة قد ثبت عدم جدواها فهذا المقترح يضمن تمثيل الجميع وينحي جانبا الطاولة القديمة ليضع مكانها طاولة جديدة يجلس حولها الجميع دون إستثناء سوى ما قرّرته الثورة من عدم مشاركة العهد المباد والمتعاونين معه حتّى لحظة سقوطه. وهو بهذا سيبعد شبح الحرب لأنه يمثل مجموع المواطنين الذين هم من كافة بقاع السودان أوجدتهم سبل كسب العيش في بقعة جغرافية سكانيّة واحدة توحدهم المواطنة ولا سبيل أمامهم غير أن يتعاونوا جميعا من أجل مصلحتهم ومستقبل بلدهم .

المقترح سيخلق ليس فقط نواة صلبة لمجلس نواب حقيقي متجاوز للهياكل القديمة التي لم تعد تصلح لسودان ما بعد الثورة بل سيتم على إثره إعادة تشكيل الهياكل السياسيّة في البلاد وإعادة النظر في الممارسة السياسيّة بكاملها.

المقترح سيجد معارضة من “السودان القديم” لأنه يسحب منه البساط ويغيّر من طبيعة وقوانين الممارسة السياسيّة بوضع أساس جديد لتداول السلطة تشارك فيه الجماهير . ولكن في المقابل سيجد هذا المقترح الترحيب من أصحاب المصلحة في التغيير من أهل القرى والأرياف والمهمشين لأن فيه إعترافا كاملا ولأول مرة بالوجود السياسي لتلك الفئات داخل أحد أهم مؤسسات الحكم الرقابية والتشريعية.

نقدم هذا المقترح للجان المقاومة لمناقشته وتبنيه وهو فرصة تاريخية تقدم للشعب السوداني هدية في عيد ميلاد سودان الثورة ، سودان الحريّة ، سودان السلام وسودان العدالة.
6 أبريل يحبنا ونحبه .

Tiganisalih1960@msn.com